بقلم: محمد كمال – باحث واختصاصي علم نفس اجتماعي
ذات يوم جاءتني امرأة شابة لتطلب استشارة تساعدها في اتخاذ قرار مصيري بالنسبة لها. وفي الحقيقة فإن القرار لم يخصها وحدها فقط، بل يخص طفل اكتمل نموه تقريبا في أحشائها، وهي تنتظر قدومه في أي لحظة خاصة وأنها في الأيام الأخيرة للشهر التاسع من الحمل. والاستشارة كانت تخص قرارها بالانفصال عن زوجها بسبب معاناتها معه وأنه لم يقم بواجباته ومسؤولياته نحوها على أكمل وجه. كانت تتحدث وهي مندفعة ومنفعلة؛ وظهر ذلك في بكائها الشديد وهي تروي قصتها مع زوجها الذي تخلى عنها وهي في أمس الحاجة لمن يدعمها ويقف بجوارها في هذه الأيام العصيبة.
سمعت لها بإنصات وتركيز شديدين، وبعدها قمت بتهدئتها وطلبت منها أن تنتظر بعد الولادة قبل أن تتخذ هذا القرار المصيري. وكانت هناك أسباب كثيرة دفعتني لأطلب منها الانتظار قبل أن تتخذ هذا القرار المفصلي والمصيري لها ولطفلها ولأبيه أيضا. ولمعرفة هذه الأسباب سألت السؤال التالي:
هل يمكن للأم الحامل اتخاذ قرارات مهمة في حياتها أثناء فترة الحمل؟
لكي نجيب على هذا السؤال بطريقة علمية سليمة، يجب أن نضع في الاعتبار الأمور التالية:
- تتمنى المتزوجة، إن لم يكن الجميع، أن تصبح أما لها أبناء ترعاهم وتستمتع بهم. ووفقا لنظرية تحقيق الدور الأمومي التي وضعتها راموا ميرسر Ramona Mercer عام 1980 فإن الأم أثناء فترة الحمل تبدأ بتكوين توقعات وتخيلات تساهم في تشكيل هويتها كأم، وتبدأ في تحديد دورها ومسؤولياتها كأم، ولذلك فإنها في هذه المرحلة تحتاج إلى دعم ومساندة شديدين من أجل مساعدتها في التحضير الجيد لهذه المرحلة الجديدة التي لم تعهدها من قبل.
- المرأة في هذه المرحلة (المرحلة النهائية من الحمل) تكون حساسة للغاية لأي شيء يحدث حولها، نجدها: تغضب بسرعة، تبكي بسهولة، مندفعة في استخدامها للكلمات عند الحديث مع الآخرين، تتأثر قدراتها المعرفية سلبا (مثل: التفكير، والتذكر، والانتباه)، لديها خوف كبير من المستقبل خاصة وأنه تشكلت لديها هوية جديدة وهي هوية الأمومة، وبالتالي يتكون لديها دور اجتماعي جديد وهو دور الأم المسؤولة عن طفلها، وهذا بلا شك يشكل عبء نفسي كبير عليها.
- وفقا لدراسة Chen وزملائه (2020) فإن عملية اتخاذ القرارات للأم الحامل يشوبها بعض المخاطر، وقد يكون القرار غير صائبا، وقد تدفع ثمن قراراتها طيلة حياتها، مثل: قرار الانفصال عن الزوج. وهذا الأمر في غاية الأهمية؛ لأني يجب أن تأخذ الزوجة الحامل في اعتبارها أن قراراتها في هذه الفترة غير دقيقة ويجب عليها التأني والتروي عند اتخاذ أي قرار يتعلق بحياتها الزوجية والمهنية.
- إن السبب في أن القرارات التي تتخذها المرأة الحامل قد تكون غير سليمة، هو أنه أثناء فترة الحمل، تحدث تغيرات هرمونية كبيرة لدى المرأة، وهذا بالطبع يؤثر على حالتها النفسية وبالتالي تتأثر قدراتها المعرفية والعاطفية، وأيضا تميل المرأة أثناء فترة الحمل إلى الاندفاع والبحث عن الإثارة وهذا في النهاية يؤثر على قدرتها على اتخاذ القرارات السليمة. ولذلك يجب على المرأة الحامل أن تؤجل قراراتها الهامة لحين انتهاء فترة حملها.
الخطوات السبع لاتخاذ القرارات:
لنأخذ مثالا وهو قرار رغبة الزوجة في الانفصال عن زوجها والذي أشرت إليه في بداية الموضوع. وسوف أقوم بتطبيق ذلك على كل خطوة من خطوات اتخاذ القرار.
إن عملية اتخاذ القرار لها خطوات يجب أن تؤخذ في الاعتبار قبل البدء في التنفيذ، وهذه الخطوات هي:
الخطوة الأولى: حدد القرار الذي تود أن تتخذه
- حدد المشكلة التي تتعلق بالقرار الذي تود اتخاذه
- حدد القرار الذي تود اتخاذه
- اكتب هذا القرار في ورقة وانظر إليه ودقق فيه
المشكلة هنا هي عدم رضا الزوجة الحامل عن حياتها الزوجية وأنها تريد إنهاء هذه الحياة بالانفصال والعيش بمفردها. ومن هنا تقوم الأم بكتابة هذا القرار في ورقة (أعاني بشدة مع زوجي، وأريد الانفصال عنه)
الخطوة الثانية: اجمع كل المعلومات المتعلقة بالقرار الذي تود اتخاذه
- اجمع كل المعلومات التي تتعلق بنوع قرارك (اختيارك) لفهم الوضع بشكل كامل
- حدد المصادر التي تجمع منها المعلومات
- ابحث عن المعلومات التي تساعدك في اتخاذ قرارك؛ مثل: استشارة خبراء، البحث عبر الإنترنت، القراءة من الكتب وغيرها من المصادر
- حدد الخيارات المتاحة لديك لاتخاذ قرارك وأثر كل خيار عليك
هنا تقوم الزوجة بجمع المعلومات حول المشكلة، وهي أنها غير سعيدة مع زوجها وتعاني في حياتها الزوجية. فعليها أن تكتب أسباب عدم سعادتها، والممارسات الخاطئة التي يقوم بها زوجها معها، وهل وضعها الحالي يسمح بأن تتخذ مثل هذا القرار (وهو قرار الانفصال)؟ ولا تكتفي الزوجة عند هذا القدر، بل عليها أن تستشير متخصص في الاستشارات الزوجية والأسرية بشأن هذا القرار والبحث عن الأسباب التي دعتها للتفكير في اتخاذ قرار الطلاق، ومتى يكون الطلاق مفيدا للزوجة ومتى يكون ضارا، ومتى يكون الوقت المناسب لاتخاذ هذا القرار.
الخطوة الثالثة: تحديد البدائل والخيارات المتاحة
- حدد الحلول الممكنة لمشكلتك، وهنا يكون هناك أكثر من خيار يمكن من خلاله حل المشكلة
- حدد مميزات وعيوب كل خيار والذي تعتقد أنه يساعد في اتخاذ القرار السليم
- قيم مدى مناسبة كل خيار من الخيارات المتاحة مع أهدافك التي خططت لها
في هذه الخطوة تقوم الزوجة بتحديد كل الحلول الممكنة المتعلقة بمشكلتها (عدم سعادتها مع زوجها ومعاناتها الشديدة معه)؛ مثلا: محاولة إدخال وسطاء لحل مشكلتها مع زوجها، أو الاتفاق مع زوجها لزيارة مختص نفسي اجتماعي للمساعدة في حل المشكلة، أو أن تقرر الطلاق. وفي كل مرة تحدد مميزات وعيوب كل خيار من هذه الخيارات وتحدد مدى مناسبة كل حل من هذه الحلول لأهدافها. فإن كانت تهدف إلى تحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي؛ فمثلا عليها أن تذهب بصحبة زوجها لأخذ استشارة تتعلق بمشكلتهما أولا، وفي حال عدم تحقيق هذا الهدف؛ يمكنها اللجوء إلى شخص حكيم من العائلة، وفي حال عدم وجود حل قاطع، يمكنها أن تلجأ للحل الأخير وهو الطلاق.
الخطوة الرابعة: تقييم البدائل والحلول
- قم بتقييم الحلول والبدائل التي توصلت إليها من أجل اتخاذ قرارك بحل المشكلة
- رتب الحلول حسب قدرتها على حل مشكلتك
في هذه الخطوة، ترتب الزوجة هذه الحلول، حسب درجة فاعليتها وسهولة تنفيذها، كأنها خطة (أ) وخطة (ب) وهكذا.
الخطوة الخامسة: الاختيار من بين البدائل (الحلول)
- اختر الحل الأفضل من حيث: إمكانية تحقيقه، وأكثر الحلول مميزات وأقلها عيوب
- اكتب في ورقة الخطوات اللازم اتباعها والسير عليها من أجل تطبيق هذا الحل
في هذه الخطوة تبدأ الزوجة في اختيار مثلا الحل (أ) وتبدأ في صياغة خطوات عملية يمكن تطبيقها، فعلى سبيل المثال إذا اختارت استشارة مختص، فإنها تكتب ذلك في خطوات (البحث عن مختص متميز في المجال الأسري والنفسي اجتماعي، تحديد اسم المختص، الاتصال به لتحديد موعد، الاتفاق مع الزوج على الذهاب للمختص وفي حال رفضه تذهب هي بنفسها).
الخطوة السادسة: اتخاذ القرار والقيام بالإجراء
- قم باتخاذ القرار وتطبيق الخطة أو الخطوات التي قررت تنفيذها
- لا تتردد في خطواتك وكن شجاعا أمام نفسك
بعد أن تكون الزوجة قد كتبت الخطوات التي سوف تتبعها من أجل اتخاذ القرار وتنفيذه (مثل الحل “أ” في الخطوة الخامسة التي سبق الإشارة إليها، تبدأ الزوجة بالتنفيذ الفعلي لهذا الحل وهذا هو اتخاذ القرار وتطبيقه (مثلا: قرار زيارة مختص للمساعدة في حل المشكلة).
الخطوة السابعة: مراجعة قرارك
- بعد تنفيذ الخطوات التي حددتها سلفا، راجع قرارك بعد فترة محددة
- قيم أداءك وتأكد من أن هذا القرار قد حل المشكلة التي كنت تعاني منها
- تأكد من أنك حققت هدفك من اتخاذك هذا القرار
تقوم الزوجة بمراجعة القرار الذي تم اتخاذه والذي سبق وأن أشرنا إليه في الخطوة السادسة، وتتأكد من جدواه وأنه حقق هدفها وهو تحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي. وفي حال أن قرار الذهاب لمختص لم يحقق الهدف، عليها أن تلجأ للخطة (ب) وتبدأ في الخطوة السادسة مرة أخرى.
إن عملية اتخاذ القرار لا تكون عشوائية أو لحظية، وإنما تكون بعد تفكير عميق وجمع كل المعلومات والمصادر المتعلقة بالمشكلة وآلية حلها، وأيضا بعد إيجاد عدد كبير من البدائل والحلول للمشكلة، مع تخيل وضعك في الحياة في حال تنفيذ الحل. بعد هذا الأمر يمكنك اختيار الحل المناسب والذي يكون أكثر الحلول مكسبا وأقلها خسارة ويحقق الهدف المرجو، وبعد اختيار هذا الحل يجب أن تضع خطوات عملية قابلة للتطبيق ويمكن قياس أثرها من أجل تحقيق الهدف من هذا الحل. ثم بعد ذلك تقيم مدى جدوى هذا الحل في حال تطبيقه، وهل بالفعل حقق الهدف المرجو أم لا؟



